نجح الغزو الفاطمي لمصر بسهولة بقيادة جوهر الصقلي, وهو في الاصل من صقلية, كما يدل لقبه ودخل العاصمة في طبوله وراياته وعليه ديباج من ذهب, حتي أناخ( أي عسكر) في مكان القاهرة المعزية الموجودة الآن واختط وحفر قصر الحاكم الجديد وبات المصريون في أمن, فلما أصبحوا وفدوا للتهنئة فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل, وقال: تم حفره في ليلة مباركة.
وذكر المؤرخ ابن إياس أن مدينة الفسطاط لم تعجب جوهر الصقلي, فشرع في بناء القاهرة, وجمع الفلكيين وأمرهم بأن يختاروا لها طالعا سعيدا يضع فيه الاساس, فمدوا حبالا علقوا فيها أجراسا وكان لهم إشارة مع البنائين أنهم( أي المنجمين)
اذا حركوا تلك الأجراس يلقون الاساس فبينما هم واقفون في انتظار الساعة السعيدة وقع غراب علي تلك الحبال فتحركت الأجراس ورنت, فألقي البناءون الاساس, فصاح عليهم الفلكية: لا لا القاهر( أي كوكب المريخ) في الطالع, قضي الأمر, وأعلموا أن هذه المدينة يملكها الأتراك, وكان الأمر كذلك.
لكن المقريزي بذكائه يعتبر هذه الحكاية خرافة, فقد سبق روايتها عند بناء الاسكندر لمدينة الاسكندرية.
وقد أطلق المعز علي مدينته اسم القاهرة بعدما كانت تسمي المنصورية نسبة الي الخليفة المنصور أبيه وإن كان الدكتور سيد كريم يؤكد أن القاهرة كلمة مصرية قديمة أصلها كاهي ـ رع أي موطن الإله رع.
عموما فإن جوهر بدأ في بناء قصر الحكم في نفس الليلة التي خط فيها أساس المدينة في يوليو969 ميلادية, وفي مارس التالي كان قد تم وضع بوابتين, وفي عام970 ـ971 أقيم حائط حول القصر.
لما فرغ جوهر من بناء السور, أرسل يستحث سيده المعز في الدخول الي مصر فوصل إلي الاسكندرية سنة362 هجرية, وفي رمضان من نفس السنة دخل الي العاصمة ونزل بقصر الزمرد الذي بناه جوهر بسرعة فائقة, ليبدأ الاستعمار الاستيطاني!
ويعزو المقريزي سبب بناء القاهرة بهذه السرعة وإحاطتها بسور ضخم الي خوف الفاطميين من هجوم بني العباس أو القرامطة أو روم بيزنطة.. كذلك كي يتخذ القاهرة مأوي للمغاربة ويتيح لهم فرصة إقامة شعائرهم الدينية في مأمن عن تعرض أهل السنة لهم بسوء, وصفوة القول انه أراد من القاهرة أن تكون معقلا يصد منه خطر المهاجمين ومركزا لنشر عقائد مذهبهم الاسماعيلي, مذهب الفاطميين
وقد بني الازهر في الاصل ليكون مدرسة لهذه العقيدة, وأقام قصر مولاه المعز ليتخذه مقرا للحكم ومركزا لنشر الدعوة, وهكذا أدار السور اللبن علي مناخه( أي معسكره) الذي نزل فيه بعساكره.
أما الازهر فقد شرع جوهر في بنائه بعد استقرار المعز, وأنجزه في عامين تقريبا من ابريل970 الي يونيو972 ميلادية, وفي عام988 صار العلماء يؤمونه من كل صوب, وقد أم المعز الصلاة في احتفال الافتتاح الذي أعقب شهر الصوم, وألقي الخطبة وعليه مظاهر الورع, ثم غادر المسجد في موكب تحف به قواته, وفي حراسة أولاده الاربعة المسلحين يتقدمه اثنان من الفيلة!!
في البداية أطلقوا علي الازهر اسم جامع القاهرة, فلما انتشرت الجوامع سمي الأزهر نسبة الي السيدة فاطمة الزهراء, وقد أرادوه منطلقا للدعاية للمذهب الشيعي, فأشار ابن كلس( وزير المعز ثم وزير ابنه العزيز) بترتيب رواتب لجماعة من الفقهاء يعملون فيه حلقات تدريس فبني لهم دارا بجانب الازهر, وهذا ماجعل الازهر أقدم جامعة في العالم باقية للآن تتولي الدولة الانفاق علي مدرسيها.
كان قصر المعز ضخما جدا, أشبه بمستعمرة كبيرة وله حكايات أرويها لكم في المقال التالي